بين الأمل والواقع: جودة علم الأستاذ الجامعي
بقلم الدكتور عبد الودود نفيس
غالبًا ما يُقترن لقب “أستاذ جامعي” بشخص يمتلك علمًا عميقًا، ونزاهة أكاديمية، ومساهمة حقيقية في تطور المعرفة. ومع ذلك، فإن الواقع لا يعكس دائمًا هذه التوقعات المثالية. هناك فجوة واسعة بين تطلعات المجتمع تجاه جودة علم الأستاذ، وما يحدث فعليًا على أرض الواقع.
أولاً: الأمل — صاحب السلطة العلمية
:١. العمق والأصالة
من المتوقع أن يمتلك الأستاذ معرفة شاملة في مجاله، وأن يكون قادرًا على إنتاج أعمال أصلية، مثل بحوث مبتكرة أو نظريات جديدة.
مثال: يُتوقع من أستاذ في مجال العلوم أن يسهم في تقدم التكنولوجيا أو الاكتشافات العلمية.
:٢. النزاهة الأكاديمية
يتوقع المجتمع أن يلتزم الأستاذ بالأخلاقيات الأكاديمية، مثل رفض الانتحال، والموضوعية في البحث، والشفافية في المنهجية.
:٣. التفاني في التعليم والتنوير
كمعلم، من المتوقع أن ينقل الأستاذ علمه بوضوح، ويوجه طلابه، ويُلهم الجيل الجديد.
ثانيًا: الواقع — التحديات والانحرافات
:١. تفاوت في الجودة
ليس كل الأساتذة يمتلكون معرفة عميقة. البعض حصل على اللقب من خلال الإنجازات الإدارية (مثل عدد المنشورات) دون أثر ملموس.
وبعضهم يعتمد على عمل الفريق أو طلابه دون مساهمة مباشرة.
:٢. السياسة الأكاديمية وتحوّل الجامعات إلى مؤسسات تجارية
تتم الترقيات الأكاديمية أحيانًا بناءً على العلاقات أو المصالح المؤسسية، وليس على الجدارة العلمية فقط.
وتؤدي متطلبات النشر الجماعي (مثل المجلات المفترسة) إلى تقليل جودة البحث العلمي.
:٣. حالات انتهاك الأخلاقيات
تزايد حالات الانتحال وتضارب المصالح في البحوث.
:٤. الابتعاد عن المجتمع
بعض الأساتذة يعيشون في “البرج العاجي” الأكاديمي، يركزون على النظريات دون تطبيق عملي أو حلول للمشاكل الاجتماعية.
ثالثًا: لماذا يحدث هذا؟
:١. نظام غير فعّال
المتطلبات البيروقراطية في الجامعات (مثل الاعتماد الأكاديمي) تركز على الكم أكثر من الكيف.
:٢. ضعف المساءلة
قلة العقوبات تجاه الانتهاكات الأخلاقية أو تجاه الأستاذ الذي يتوقف عن التطور العلمي.
:٣. الضغوط الاقتصادية
يضطر بعض الأساتذة إلى البحث عن مشاريع أو مناصب إضافية لتحسين الدخل، مما يؤثر على تركيزهم الأكاديمي.
رابعًا: كيف نعالج الأمر؟
:١. إصلاح نظام التقييم
يجب تقييم الأستاذ بناءً على تأثير بحوثه، وليس على عدد منشوراته فقط.
وينبغي إعطاء مساحة للبحث العميق والطويل الأمد.
:٢. تعزيز الأخلاق والشفافية
إجراء تدقيق مستقل على الأعمال الأكاديمية، بما في ذلك فحص الانتحال بشكل صارم.
وإصدار عقوبات واضحة للمخالفين (مثل سحب اللقب الأكاديمي).
:٣. تعزيز العلاقة مع المجتمع
يُشجَّع الأستاذ على الانخراط في التثقيف العام، والمناقشات المفتوحة، والبحوث التطبيقية (مثل السياسات أو التكنولوجيا المناسبة).
الخاتمة
يجب أن يكون لقب “أستاذ جامعي” رمزًا لتفوّق العلم، لا مجرد منصب إداري. ولردم الهوة بين التوقعات والواقع، نحتاج إلى التزام مشترك من المؤسسات التعليمية والحكومة والأساتذة أنفسهم لإعادة المكانة الرفيعة للعلم كركيزة لتقدّم الأمة.
“العلم بلا أمانة كوعاء فارغ، واللقب بلا مضمون كحروف ميتة.”
المراجع
1. Altbach, P. G., & De Wit, H. (2018). The Challenge of Academic Corruption. Springer.
2. Feynman, R. P. (1999). The Meaning of It All: Thoughts of a Citizen-Scientist. Basic Books.
3. Washburn, J. (2005). University, Inc.: The Corporate Corruption of Higher Education. Basic Books.
4. Fanelli, D. (2009). “How Many Scientists Fabricate and Falsify Research? A Systematic Review and Meta-Analysis of Survey Data”. PLoS ONE, 4(5), e5738.
5. Larivière, V., et al. (2013). “The Oligopoly of Academic Publishers in the Digital Era”. PLoS ONE, 10(6), e0127502.
6. Ziman, J. (2002). Real Science: What It Is, and What It Means. Cambridge University Press.
7. Leonardo AI. (2025). Illustration: بين الأمل والواقع: جودة علم الأستاذ الجامعي [AI-generated image]. https://app.leonardo.ai